الدولية

مناظرة حول الأمن القانوني وجودة التشريعات : المفاهيم و الرهانات و الافاق المقارنة

قبس بريس:

كلمة السيد راشيد الطالبي العلمي

رئيس مجلس النواب 

في افتتاح مناظرة حول 

الأمن القانوني وجودة التشريعات : 

المفاهيم والرهانات والآفاق المقارنة”

06  07 ماي 2025 

بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه

السيدات والسادة،

يشرفني أن أفتتح معكم أشغال هذه المناظرة العلمية التي تتمحور حول موضوع يكتسي من الأهمية والراهنية ما يجعله محورَ انْشِغَالِ واشتغالِالمؤسسات والأكاديميين. ويتعلق الأمر بالأمن القانوني وجودة التشريعات، اللذين يَقَعَانِ اليومَ، في قلب الديمقراطية وفي جوهر دولة القانون.

وأود في البداية أن أشكرَ شركاءَنا في تنظيم هذه المناظرة : اللجنة الأوروبية من أجل الديمقراطية بواسطة القانون – “لجنة البندقية”، والاتحاد الأروبي ومجلس أروبا وجمعيته البرلمانية، وأُثْنِيَ على مشاريع الشراكة والتعاون المنجزة بين هذه المؤسسات الصديقة، ومجلس النواب بالمملكة المغربية، والتي تندرج ضمن الشراكة القائمة بين الاتحاد الأروبي ومجلس أروبا من جهة، والمملكة المغربية من جهة أخرى، والتي تتجاوز المنافع والتجارة إلى العلم والقيم.

وأود أن أشكر الأساتذة، وبرلمانيي ومسؤولي الجمعية البرلمانية لمجلس أروبا الذين تحملوا عناء التنقل إلى الرباط ليتقاسموا ويتبادلوا مع أعضاء مجلس النواب ومسوؤليه ومع أساتذة مغاربة مرموقين أفكارهم وتصوراتهم حول إشكالية الأمن القانوني وما يتفرع عنها من قضايا وأسئلة، كما أشكر الأستاذة والأساتذة المغاربة الآخرين الذين نعتز دائما بمساهماتهم الأكاديمية في تطوير التشريعات الوطنية وإغناء الدرس القانوني في المغرب.

لقد حرصنا على فتح ورش الأمن القانوني وسلامة التشريعات ليكون موضوع مناقشات في مجلس النواب لعدة اعتبارات. يتمثل أولها في زيادة مراكمة الثقافة البرلمانية والديمقراطية لتشمل مجموع اختصاصات ووظائف البرلمان، أيُّ برلمان في بلد ديمقراطي، وذلك بعد أن راكمنا إنتاجا وافراً من دلائل عملية وأطر ووثائق مرجعية ودراسات تتعلق بالمساطر البرلمانية في مجالات التشريع والرقابة والتقييم.

ويتمثل الاعتبار الثاني في الحرص على مزيد من جودة تشريعاتنا الوطنية ونجاعتها ووضوحها وقابليتها للفهم والتأويل الأقرب إلى جوهرها ومقاصدها وجعلها، بالتالي، قابلة للولوج من طرف الجميع.

أما الاعتبار الثالث فيتمثل في الطفرة التشريعية الهائلة التي حققها المغرب خلال الخمس وعشرين سنة الأخيرة، أي منذ اعتلاء صاحب الجلالة الملك 
محمد السادس نصره الله، العرش ؛  ففضلا عن الجانب الكمي، إذ صادق البرلمان على ما مجموعه 1477 نصا قانونيا، فإن الأمر يتعلق بنصوص تأسيسية، منها عدد من القوانين التنظيمية التي تعتبر امتدادا للدستور،وأخرى تعدل وتجدد، بشكل جوهري، نصوصا سارية.

وقد عكست هذ النصوص وأطرت الإصلاحات العميقة والجريئة التي اعتمدتها المملكة في مجال حماية الحقوق والحريات، وفي مجال الاقتصاد،والخدمات والإدارة والتنمية الاجتماعية والمجالية والتضامن.

ويندرج الاعتبار الرابع في الحرص على الانفتاح أولا، على الممارسات الدولية والتعرف على آخر الاجتهادات في مجال الأمن القانوني، وثانيا الحرص على تَجْسِير العلاقات بين المؤسسة التشريعية والجامعات ومراكز البحث والأكاديميين. فالتشريع بقدر ما يعكس حاجة مجتمعية، ورؤية سياسية، بقدر ما يحتاج إلى رؤية رجال القانون من مهنيين ممارسين وأكاديميين وباحثين.

على أساس هذه الاعتبارات، وتكريسا لعلاقات التعاون والتفاعل بين مجلس النواب ومؤسسات مجلس أوربا بما في ذلك جمعيته البرلمانية واللجنة الأوروبية من أجل الديموقراطية بواسطة القانون – “لجنة البندقية”، حَرَصْنَا على تنظيم هذه المناظرة التي نتطلع من خلالها إلى مقاربة عدد من الأسئلة والإشكاليات نعتبرها في صميم الأمن القانوني، وفق منهجية مُقارنة. ويتعلق الأمر بـــــــ :

أولا : ما الذي يعنيه الأمن القانوني كمفهوم قديم/جديد ازدهر النقاش والإنتاج النظري بشأنه في السنوات الأخيرة، ويستقطب اهتمام الممارسين في القضاء الدستوري والقضاء العادي، والبحث النظري إلى جانب اهتمام المشرعين.

ثانيا : ماهي مكانة الأمن القانوني في سياق دولي مُعَوْلم حيث تتدفق الاستثمارات والمبادلات عبر الحدود الوطنية مقابل تعدد الأنظمة القانونية، وتنوع التعاقدات العابرة للحدود، مع اختلافات في الخلفيات والثقافات القانونية وأشكال تأويل القواعد القانونية.

ثالثا : علاقةً بما سبق كيف يكون الأمن القانوني معياراً لجاذبية الاقتصادات الوطنية ولتقييم بيئة الأعمال والاستثمار.

رابعا : كيف يمكن للأمن القانوني أن يعزز حكامة التنظيمات الاجتماعية ويقويها ويعزز شفافية التعاقدات ويجعل علاقات الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين في ما بينهم، ومع المجتمع، شفافة وواضحة بما يرسخ ويشيع قيم الثقة في المجتمعات وثقافة العيش المشترك بين مكوناتها.

السيدات والسادة،

​تعمدت أن أُورِدَ هذه الاعتبارات وأطرحَ هذه التساؤلات، لأننا في المملكة المغربية في سياقٍ إصلاحي من سِمَاتِهِ تجديدٌ كبيرٌ في تشريعاتنا وإقرارٌ لعدد كبير من النصوص التأسيسية خاصة في ضوء، و(إعمالا)لدستُور 2011 الذي يعتبر، كما تعلمون، دستوراً تحررياً وحقوقيا بامتياز. 

​ومن جهة أخرى، يتطلب مِنّا تمَوقُعُ بلادنا على المستوى الإقليميوالقاري والدولي وتنوع علاقاتها السياسية والاقتصادية والبشرية مع العديد من البلدان وحرصها على الوفاء الصادق والعملي بالتزاماتهاالدولية، تأطيرَ هذه الدينامية والاستجابة التشريعية لمتطلباتها. 

​ولئن كان هذا الواقع يدعو إلى الفخرِ، فإنه يحمل في طياته بعض التحديات المرتبطة بالأمن القانوني والمحكومة بهاجس الصدق وهاجس كفالة الحقوق ومنطق احترام القانون وسموه واحترام الالتزامات.

​وتلكم من مبادئ عقيدة الدولة المغربية في الداخل كما في الخارج : مبدأ احترام القانون.​

​لقد كان الاقتصاد المغربي دوما اقتصاداً منفتحاً، واقتصادَ سوق، وكان حقُّ المِلْكية مكفولا دوما بالدستور، والمبادرة الحرة مكفولة بالقوانين والمواثيق، فيما تعتبر الدولة راعية وضامنة للضبط وحرية المنافسة. وقد يَسَّر ذلك إلى جانب ما تنعم به من  استقرار في ظل الملكية الدستورية الديموقراطية البرلمانية والاجتماعية، جاذبية المغرب الاستثمارية في مختلف القطاعات الاقتصادية والخدماتية وفي مجال التجهيزات الأساسية الكبرى. وتُلْزِمُنا أمانة الحفاظ على هذه الجاذبية بالحرص على وضوح وجودةومقروئية تشريعاتنا.

​ومن جهة أخرى، تقربنا شراكاتنا مع بلدان الاتحاد الأروبي ومجلس أروبا، أكثر من القوانين الأروبية، إن لم نكن الأقرب إليها بالحوض المتوسطي والشرق الأوسط وإفريقيا.

​ويلزمنا ذلك، بأن تكون تشريعاتنا أكثر سلامة وجودة، ليس فقط لأننا ننتمي إلى العالم الحر، ولكن أيضا لأننا حريصون على الوفاء بالتزاماتنا الدولية.

السيدات والسادة،

​إن ما ينطبق على هذا الجانب الاقتصادي والتعاقدي على المستوى الدولي، يسري أيضا على ما هو داخلي. فالإقرار في الدستور بتشبث المملكة بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، في نطاق التلازم بينحقوق وواجبات المواطنة، كان لابد له من تأطير تشريعي، إذ حرصت بلادنا على اعتماد النصوص التي يقتضيها ذلك، مع الحرص على استحضار هاجِسَي الأمن القانوني وجودة النصوص ووضوح القواعد.

​وتعزيزاً لهذه الدينامية نتطلع إلى أن تساهم مداخلاتكم، التي نتوخاها مقَارنَةً واقتراحيةً، في إثراء ثقافة الأمن القانوني وسلامة الصياغة التشريعية ووضوحها.

أشكركم مسبقا على مساهماتكم متطلعاً إلى أن تكون هذه المناظرةمفيدة في الإحاطة بالإشكاليةالتي تنظر فيها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى